الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

أهل السنة والجماعة وابن تيمية

أهل السنة والجماعة وابن تيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
أهل السنة والجماعة
إن الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
فهذه رسالة أذكر فيها ما يقيد المعنى المراد من مصطلح :
( أهل السنة والجماعة)
وذلك لما لهذا المبحث من أهمية بالغة في هذا الزمان بل وفي كل زمان.
وسوف أوجه الكلام إلى تحقيق معنى خاص ليفهم القارئ أنه هو السبب في تأليف هذه الرسالة .
وهذا الأمر هو هل يمكن أن ندرج العقيدة التي يعتقد بها ابن تيمية
والعقيدة التي يعتقد بها السادة الأشاعرة تحت باب واحد ؟ .
والحقيقة أنني قد كتبت حول هذا المعنى كلاما مفصلا وعددت فيه كثيرا من المسائل التي تبين وجوه الخلاف الحقيقية في كثير من الأصول بين ابن تيمية وأتباعه (ولنسمهم التيميين ) من جهة ، وبين سائر الأشاعرة من جهة أخرى ، كائنا من كان منهم مستحقا اسم أهل السنة والجماعة! .
وهذه المسائل الأصول من عرفها وعرف أن الخلاف قائم بين هذين الفريقين فيها ، عرف قطعا أنه يكون من الغباء التام أن يدرج ابن تيمية والأشاعرة تحت اسم واحد، إلا إذا كان لا يعرف ما الذي يقوله، أو عرف وعرف ما يندرج تحته من تناقضات وتخابطات، ومع ذلك أصر على ما يقول، ومثل هذا لا يلتفت إليه في العلوم والمعارف، لأنه ليس منضبطا بموازين العلم الصحيحة وإن حسب نفسه كذلك.
ولن نطيل على القارئ في هذا الكلام العام الذي يمكن أن ينطبق على كثير من الناس، بل سوف نبين مقصدنا ونصرح به ونوضحه قدر ما نستطيع، لكي لا يبقى بعد ذلك واحد حائرا .
أول ما نتكلم عليه باختصار هو مفهوم اسم أهل السنة والجماعة:
فنقول:
إن اسم أهل السنة والجماعة أطلق في التاريخ على طائفة من الناس اشتركوا في أصول معينة، وأجمعوا على أقوال محددة.
وهذا الاسم لا يستطيع أحد أن يقول إنه قد ورد نص من الرسول على أنه يجب أن يطلق على هذه الطائفة، وبالتالي فهو لا يمكن أن يكون إلا اصطلاحا منهم أو من غيرهم على تسميتهم كذلك. وذلك تبعا لما لوحظ عليهم من اشتراكهم على هذه الأقوال.
ولذا فإن انتساب الواحد إلى الطائفة التي يقال عليها أنها أهل السنة والجماعة لا يدخله الجنة لمجرد ذلك، ولا يكون خروج أحد من هذه الفرقة حكما عليه بالدخول قطعا في النار.
هذا الأمر يجب أن يدركه كل واحد من الذين يتصدون للكلام على مثل هذه المباحث.
واعلم أن النزاع والخلاف حول هذا الاسم على من يطلق ، لا يدخل فيه كثير من الفرق، فإن الشيعة مثلا لا يقولون إنهم هم أهل السنة والجماعة، والمعتزلة كذلك لا يقولون إنهم هم أهل السنة والجماعة، وكذلك الزيدية والإباضية وغيرهم من الفرق، إلا فرقتين اثنتين هما الأشاعرة والتيميين.
هاتان هما الفرقتان اللتان تتنازعان هذا الاسم في هذا الزمان خاصة.
وإن كان النزاع محسوما في سائر العصور لصالح السادة الأشاعرة.
فالعلماء قد اتفقوا على أن الأشاعرة هم الممثلون الحقيقيون للسنة والجماعة وأنها الفرقة التي كشفت عن حقائق هذا الدين مما أهلها لن ينضم تحت لوائها جماهير علماء الإسلام.
فانظر إلى ما قاله الإمام تاج الدين السبكي صاحب كتاب جمع الجوامع وغيره من الكتب المفيدة، فقد صرح في كتابه (معيد النعم ومبيد النقم) فقال:
وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة -ولله الحمد- في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة، يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية ، لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم نر مالكيا إلا أشعريا عقيدة. وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول، ورضوها عقيدة، وقد ختمنا كتابنا جمع الجوامع بعقيدة ذكرنا أن سلف الأمة عليها، وهي وعقيدة الطحاوي وعقيدة أبي القاسم القشيري والعقيدة المسماة بالمرشدة مشتركات في أصول أهل السنة والجماعة.)أهـ
وقال العلامة الزبيدي في شرحه على الإحياء(1/7):
إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية.
قال الخيالي في شرحه على العقائد:
الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار . وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور الماتريدي.
وقال الكستلي في حاشيته عليه:
المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري، أول من خالف أبا علي الجبائي وردع عن مذهبه إلى السنة أي طريق النبي صلى الله عليه وسلم ، والجماعة أي طريقة الصحابة رضي الله عنهم ، وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب أبي سليمان الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة . أهـ
وقد ذكر هناك أقوال مفيدة عن الأئمة الأعلام فانظرها لتعرف الحق وتميزه عن الباطل، وأوضح هناك أن أهل الحديث ليسوا مستقلين عن أهل السنة والجماعة، والمقصود بأهل الحديث هنا الذين يعتمدون على الأحاديث ولا يلتفتون إلى النظر العقلي كثيرا في الاستدلال على العقائد الإيمانية، فأكثر أهل الحديث يوافقون الأشاعرة والماتريدية في العقائد ، ولكن طريقة كل منهما تختلف عن الآخر في طرح وشرح هذه العقائد، وهذا كما تعلمون ليس خلافا جوهريا يكفي للقول إن هناك عقيدة خاصة بأهل الحديث.
بل إن اهل الحديث في الحقيقة موافقون للأشاعرة، لا يخالفونهم وإن خالفوهم لم يلتفت إليهم من حيث هم أهل حديث، بل ينظر إليهم على انهم فرقة أخرى .
فأنت تعلم أيها القارئ أن كثيرا من الكرامية قد اشتغلوا بالحديث بل واشتهروا بالزهد ، ولكن مع هذا فقد خالفوا عقائد أهل السنة والجماعة في قولهم إن الله تعالى جسم، وإنه تعالى على العرش إما بمسافة أو بلا مسافة أي بمماسة، كما يجلس الواحد منا على كرسيه، فهؤلاء من الفرق المبتدعة التي لا يلتفت إلى خلافهم من حيث العقائد. وهم ليسوا من أهل السنة والجماعة.
فمن وافقهم من أهل الحديث فهو منهم ليس من أهل السنة والجماعة، وذلك نحو أبي سعيد الدارمي صاحب كتاب الرد على بشر المريسي والذي يعتمد عليه ابن تيمية تمام الاعتماد ويحتج بأقواله وينظر إليه على أنه من أعلم أهل السنة والجماعة في العقائد، وفي الواقع فما هو إلا أحد أكبر زعماء المجسمة.
فليتنبه القارئ الكريم إلى هذه الملاحظة أي التفريق بين من اشتغل بالحديث وكان من الكرامية وغيرهم ، وبين من اشتغل بالحديث وكان من أهل السنة والجماعة، فالذي يعتمد عليهم ويعتد بهم وبأقوالهم هم أهل الحديث الموافقون لأهل السنة والجماعة في العقائد لا المخالفون.
فمن أهل الحديث وهم من أهل السنة والجماعة: الإمام البخاري والإمام مسلم والإمام البيهقي والإمام ابن حبان والإمام الترمذي والإمام أبو داود وغيرهم كثير لا مجال الآن لحصر أسمائهم.
ونحن في الحقيقة وكما قلنا لا نحتج بمجرد الاسم على حقية القول، أي لا نقول إن الفرقة الأولى هي فرقة أهل الحق لمجرد أنهم يتسمون بأهل السنة والجماعة، وكذلك لا نقول إنهم هم الناجون لمجرد إنهم يتسمون بهذا الاسم.
بل إن الحق إنما يعرف بالنظر والبحث والإتيان بالأدلة القوية على كل حكم يدعى صوابه وحقيته. هذا هو المرجع الوحيد عندنا، لا اعتبار للاسم إلا من حيث دلالته على هذا الأمر.
واعلم أن الأصل في التسمية -بأهل السنة والجماعة - أن كل من اندرج فيها فيجب أن يكون متفقا مع صاحبه في الأصول الكلية ، ونحن نقصد هنا الأصول الكلية للعقائد، وإن كان أهل السنة لهم طرقهم المعلومة في الفقه أيضا، ولكن لن يكون هدفنا هنا الكلام على الفقه، بل على العقائد ، فلو قلنا إن كلا من الفرقتين يطلق عليها اسم أهل السنة والجماعة، للزمنا قطعا أن نقول إنهما متفقتان على أصول العقائد، ولكن إذا كانت كل من هاتين الفرقتين قائلة بأصول مخالفة للأخرى، فكيف يصح من عاقل أن يقول إنهما مندرجتان تحت اسم واحد، ويجمعهما حكم واحد ؟!
وبيان هذا كما يلي:
إن أصل الخلاف في العقائد بين هاتين الفرقتين: هي الأمور التي تتعلق بالذات الإلهية، وخصوصا التشبيه والتجسيم، أي هل يجوز نسبة بعض صفات الأجسام إلى الله تعالى أو لا يجوز ، وهذا الأصل الكبير تفترق عليه الفرق كما هو معلوم عند المطلعين .
ونحن هنا سوف نبين أن أصول ابن تيمية مخالفة تمام المخالفة لأصول الأشاعرة، بحيث لا يجوز أن يقال إنهما يندرجان تحت نفس الاسم. أي لا يجوز أن يقال إن ابن تيمية من أهل السنة والجماعة، إذا كان أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة. وكذلك لا يجوز أن يقال إن الأشاعرة من أهل السنة والجماعة إذا كان التيميون هم أهل السنة والجماعة.
هذا الحكم يجب أن لا يخالفه أي عاقل، لأنه إذا خالفه فإنه يسوي بين متضادين ويجمع بين متخالفين.
وهو بهذا يشهد على نفسه بالغـباء والجهل المحض.
أما من لا يعرفون ما الذي يقول به ابن تيمية وما الذي يقول به الأشاعرة، أو يعرفون قول أحدهما ولا يعرفون أن الآخر هل يخالفه أو يوافقه، فإن الكلام معهم سهل، وسوف نورد بعضه هنا، بأن نوضح بعض المقالات التي يقول به كل من هاتين الطائفتين في مسألة من المسائل المتعلقة بالذات الإلهية. ولن نطيل الكلام هنا لأن المقصود الاختصار ما أمكننا . أما التفصيل فله محل آخر.
أولا: بيان رأي الأشاعرة في التجسيم
السادة الأشاعرة ينفون التجسيم قولا واحدا، لا خلاف بينهم في ذلك(1)، وكل من نسب إليهم أنهم قد اختلفوا في أن الله تعالى جسم فهو كاذب عليهم.
والمقصود من التجسيم كما هو معلوم هو القول بأن الله تعالى جسم أو أن له صفات الأجسام كالحيز والمكان والحد والمقدار والجهة والانتقال من مكان إلى مكان او الانتقال من حيز إلى آخر إلى غير ذلك من الصفات الخاصة بالأجسام.
فالأشاعرة ينفون هذه الأمور عن الله تعالى قولا واحدا. وينسبون كل من قال بها أو بواحد منها مجسما، وهم يتبرءون من المجسمة ويذمونهم ، وينفون أن يكون التجسيم عقيدة يتدين بها الإنسان.
وبالتالي فكل من قال بالتجسيم فهم لا يرضون أن يكون منتسبا إليهم ولا يرضون بالتالي أن يكون منتسبا إلى أهل السنة والجماعة.
ويستحيل كما تعلم -أيها القارئ - أن يذم الأشاعرة أنفسهم، وقد تقول كيف يذمون أنفسهم ، فأقول لك:إنهم أي واحد يذم نفسه إذا ذم قولا ثم قال به، أو مدح من هو قائل به.إلا إذا بين أن ذمه السابق كان غلطا وصرح بأن القول الذي ذمه سابقا هو الصحيح.فإنه لا يصدق عليه في هذه الحالة أنه قد ذم نفسه.فتأمل.
ومع أننا لسنا بحاجة إلى التدليل على أن الأشاعرة قد ذموا المجسمة والتجسيم ومن هو قائل به، فإن هذا الأمر معلوم مشهور. إلا إننا سوف نورد هنا بعضا من أقوالهم تثبيتا لقلب القارئ.
_____________________________
(1)حاشية على قوله (لا خلاف بينهم في ذلك)
لاحظ أننا عندما نذكر الأشاعرة فإننا أيضا نريد معهم السادة الماتريدية، لما يعلمه الناس من أنهم لا يختلفون في أصول العقائد مطلقا.
وكلامنا مع ابن تيمية هنا في أصول العقائد.
والذين يمثلون أهل السنة والجماعة أي أهل الحق -عندنا- هم الأشاعرة والماتريدية.
وأما أهل الحديث فلا توجد لهم عقيدة خاصة لهم من حيث هم أهل حديث.
فالمحدث إما أن يكون مجسما أو أشعريا أو معتزليا أو غيرهم.
أما أن يقال إنه توجد عقيدة تسمى عقيدة أهل الحديث فإنه وهم من قائله. إلا إذا قصد أن أهل الحديث يوافقون الأشاعرة والماتريدية في العقائد، ويخالفونهم في طريقتهم الإجمالية في الاستدلال عليها فهو صحيح، ولكن ليس صادقا على جميع المحدثين، فبعضهم مجسمة صرحاء كما هو معلوم.
وبالتالي فإن الاسم المحدد والواضح والذي لا يترتب عليه غلط أو شغب هو ما قلناه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق